بينما كانت عدسات المصورين تنتظر لحظة توقيع الفنانة شيرين عقدها مع شركة روتانا وسط حفل كبير.. كان هذا الرجل يبكي.. مأخوذاً بالدهشة والصدمة أيضاً، فها هي الفتاة الصغيرة التي احتضنها تصل قمة النجومية دون أن تذكر اسمه أو تنسب إليه أي دور.. فقرر أن يفجر المفاجأة الكبرى.أما هذا الرجل فهو الملحن حمدي أحمد صاحب شركة "المصراوية"، الذي يحتفظ بعدد ضخم من الصور لشيرين وهي في مرحلة الصبا.. ألتقطها لها وسط أعضاء فرقته وفي بيته، مثلما يحتفظ بعشرات المستندات والأوراق تؤكد دوره في اكتشافها واحتضان موهبتها قبل أن تصل إلى النجومية. القصة بين شيرين وحمدي، طويلة ولا تخلو من الدراما، يرويها الرجل كاملة مدعومة بالمستندات:
إبداء الإعجاب بصوت تلك الفتاة الصغيرة الفقيرة لم يكن كافياًفي منتصف التسعينيات تصادف أن سمعت صوت شيرين، كانت صغيرة وتنبأت لها بمستقبل كبير، وكنت آنذاك عازفاً ضمن أوركسترا القاهرة، وأمتلك شركة "المصراوية" للإنتاج والتوزيع، وعرفت أنها مازالت طالبة في الثانوية التجارية ومرتبطة بعقد احتكار هزيل مع شركة اسمها "عشر نجوم"، كما عرفت أنها تنتمي لأسرة متواضعة الحال وتسكن في منطقة شعبية ـ منشية ناصر".
لكن إبداء الإعجاب بصوت تلك الفتاة الصغيرة الفقيرة لم يكن كافياً، فقد كان مطلوباً منه أولاً تخليصها من الشركة التي تحتكر صوتها بدفع الشرط الجزائي، وهو ما حدث بالفعل، وبدأت شيرين تشعر بقليل من الأمان بانتقالها إلى الشركة الجديدة خصوصا ان صاحبها ملحن له من الانتشار الفني ما ينبيء بكثير من التفاؤل..
وتمت كتابة عقد جديد أهم بنوده تنص على حق شركته في احتكار صوت شيرين حتى عام 2008.. ودفع مبلغ ثلاثين ألف جنيه مصري كشرط جزائي في حالة إخلال أحد الطرفين ببنود التعاقد.
وعن ذلك يقول حمدي: قلت لها إنها أصبحت مثل ابنتي "أنغام" وأنني سأتكفل برعايتها نظراً لظروف أسرتها القاسية، فتشجعت وطلبت مني مساعدتها للالتحاق بالمعهد العالي للموسيقى، واتصلت بأصدقائي وأساتذتي في المعهد وقلت لهم إنها موهوبة وتستحق المساندة، وبالفعل سمعوا صوتها وتم قبولها بالمعهد، ولأن المشوار من بيتها إلى المعهد طويل وشاق، اقترحت على والدها أن تنتقل للإقامة في بيتي بشارع فيصل خصوصا أن ابنتي تقاربها في السن، أنغام تدخلت في الحوار وقالت: إنها وشيرين كانتا مثل شقيقتين تتقاسمان الملابس والعطور.
أول ألبوماستقرت شيرين في بيت حمدي الذي خطط لأول ألبوم غنائي مشترك مع الفتاة الصغيرة حيث رأى فيها نجمة كبيرة، وأنه الأحق برعاية موهبتها، لذا بدأ معها بإصدار ألبوم ديني، مع مطرب موشحات اسمه الشيخ ياسر بعنوان "يارب.. في رحاب الله"، ولم يكن الألبوم سوى بداية لمشروع كبير رأى حمدي أحمد أن يستعد له جيداً بشراء أغنيات تناسب صوتها، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث يقول: "تعرضتُ في هذه الفترة للعديد من الاضطرابات المادية أجبرتني على التوقف وإغلاق شركتي لمدة عام كامل، وتصادف أن أصيبت والدتي بمرض خطير، ومما أزاد ضيقي وآثار أحزاني في ذلك الوقت تعثر شيرين في دراستها بالمعهد، وجاءني العديد من الشكاوى من أساتذتها، ورغم ذلك كنت أنصحها وأطلب منها تتحمل الظروف التي تمر بنا.
وذات يوم أخبرتني بأن أمامها فرصة لأداء أغنية مع المطرب محمد محيي واستأذنت كي أسمح لها بأداء الدويتو مؤكدة أن اسمها لن يظهر على الألبوم، فوافقت وظهر صوت شيرين للمرة الأولى مع محمد محيي في ألبوم "صورة ودمعة" عام 2002، لكن أحداً لم يعرف اسمها سوى أصدقائي وأعضاء فرقتي الذين كانوا أول من استمع إليها".
اختفاء شيرينلم يكن حمدي يتوقع أن تكون تلك هي النهاية... ولم يفكر لحظة في أن الفتاة التي احتضنها ستختفي من حياته فجأة ولن تعود إليه، فمن الناحية القانونية لا يمكن لها العمل مع شركة أخرى،لأن العقد المبرم بينهما في الأول من تموز عام 1995 ينص في البند الرابع منه، على أن يتم تجديد العقد تلقائياً كل 3 سنوات ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر بعدم الرغبة في التجديد، كما لا يجوز إنهاء المدة إلا برغبة الطرف الأول الذي هو حمدي... وبعيداً عن القوانين والعقود، كان لحمدي صدمة شديدة فروى قائلا: "لم أتخيل أن تنتهي علاقتها بي على هذا النحو.. كنت أعتقد أنها ستحفظ الجميل فقد جعلتها في منزلة ابنتي.. كنت أفخر بها وأنا أقدمها لأعضاء الفرقة وأقول "دي من اكتشافي".. وفي كل يوم أتوقع عودتها، ولكن ما هي إلا فترة قصيرة وفوجيء أهالي الشارع الذي أقطنه مثلما فوجئت مصر كلها بصاروخ غنائي اسمه "شيرين" في دويتو "آه ياليل".
تأكد حمدي أن شيرين لن تعود وكانت صدمته أكبر من احتمالهفي هذه اللحظة تأكد حمدي أن شيرين لن تعود، كانت صدمته أكبر من احتماله، فها هي الفتاة الصغيرة تحقق نجاحاً كاسحاً ويتوارى هو في الظل دون أن يعرف أحد أن تلك النجمة خرجت من بين يديه ومن بيته وأنه يمتلك ـ بموجب العقد ـ صوتها وليس لغيره الحق في استغلاله... فماذا يفعل؟ هل يستسلم؟.
قال: "نصحني أصدقائي بمقاضاتها، ولكنني رفضت وقلت إن الأمر سينتهي ودياً، فشيرين لن تنسى ما فعلته من أجلها،وكيف تكفلت بعلاج والدها، وبدأت في إرسال وسطاء لترتيب جلسة ننهي فيها هذا الأمر، فرفضت مقابلتهم والاستماع إليهم، فقلت أتصل أنا بها مباشرة معتقداً أنها لن ترفض طلبي، لكنني فوجئت بردود جافة وغير متوقعة، وعندما قلت لها إنها مرتبطة معي بعقد، قالت: لم أوقع عقوداً مع أحد.. كانت صدمتي كبيرة، ولم أصدق أن تكون ردودها على شخص ساندها ووقف بجانبها وعاملها كابنته على هذا النحو، تمالكت أعصابي واغلقت ملف شيرين القديم لأفتح ملفاً آخر عملاً بنصائح الأصدقاء، وبدأت إجراءات التقاضي".
تنكر صوتها!إذن.. انتهى كل شيء وأصبح على حمدي أن يطالب بحقوقه عبر القنوات الشرعية والقانونية، فشيرين عرفت طريق النجومية ولن تقبل العودة ثانية إلى نقطة الصفر، وهو لن يقبل أن تضيع تلك الجوهرة الثمينة من بين يديه، لن يقبل أن تطير النحلة من خليته قبل أن يتذوق شهدها، فكشر عن أنيابه وبدأت رحلة المحاكم، وتم تحديد جلسات وجلسات، والأيام تمضي وحمدي لا يتوقف ولا يهدأ..
وكادت القضية تحسم بمستند مهم للغاية لولا نفوذ شيرينعشرات الإنذارات إلى نقابة المهن الموسيقية، وإلى المصنفات الفنية، وجمعية المؤلفين والملحنين.. أما الإنذارات التي أرسلها إلى شيرين فلا أول ولا آخر لها.. وفي كل مرة يلقي بواحدة من عشرات الأوراق التي يمتلكها في إصرار منه لاستعادة ما يراه حقه، ويقول: " أمتلك عشرات المستندات التي تؤكد حقي، وتثبت صحة كل كلمة أقولها، فلدى عقد الشركة التي كانت تحتكرها والتي دفعت لها شرطها الجزائي قبل انتقالها إلى شركتي، ولدي عقدي معها والذي ينص على حقي في احتكار صوتها حتى عام 2008 ولا يجوز إلغاء التعاقد من طرف واحد، ولدى أوراق تحمل توقيعها وتوقيع والدها على استلام أول دفعة من قيمة التعاقد معها، ولدى الصور التي تؤكد أنها كانت تقيم في بيتي وبين أفراد أسرتي.
وكادت القضية تحسم بمستند مهم للغاية لولا نفوذ شيرين، هذا المستند كان الألبوم المشترك الذي سجلته معه، وشاركنا فيه الشيخ ياسر، وهو عبارة عن ابتهالات دينية، وأثناء نظر القضية أنكرت شيرين أن يكون الصوت المسجل صوتها، فأرسلت الألبوم بخطاب رسمي إلى "عمر بطيشة" رئيس الإذاعة السابق في كانون الثاني 2005 وطالبت بالإفادة الرسمية عن حقيقة الصوت الموجود بالألبوم وهل هو لـ"شيرين" أم لا؟..
وبعد اتصالات مكثفة بيني وبين رئيس الإذاعة الذي لم يكن مصدقاً أن شيرين يمكنها أن تتنكر لشخص وقف بجانبها، تم تشكيل لجنة ضمت نقيب الموسيقيين "حسن أبو السعود ود. جمال سلامة ومنير الوسيمي وعاصم المنياوي وحسن فكري"، وقالت اللجنة في تقريرها إن الصوت المسجل صوت شيرين.
تهديد بالقتلشيرين التي أصبحت نجمة نجحت بنفوذها في الحيلولة دون صدور الألبومابتسم الحظ لحمدي.. فتقرير اللجنة المكونة من هؤلاء الموسيقيين الكبار يعد انتصاراً كبيراً، وأصبح من حقه إصدار الألبوم ليحصد بعض ثمار جهود السنين الماضية،وعلى الفور تقدم بالألبوم وعنوانه "يارب.. في رحاب الله" إلى الرقابة على المصنفات لأخذ موافقة النسخ والتوزيع، وبعد حصوله على الموافقة، حدثت المفاجأة الكبرى، وعن ذلك يقول: "فوجئت بالرقابة تماطل في إنهاء الإجراءات، وراحت كل موظفة بالرقابة ترسلني إلى أخرى.. وكنت أعيش ظروفاً قاسية غير مصدق أن الأمل الذي اقترب كي استعيد حقي يبتعد عني وبهذه الطريقة، استمرت المماطلات وكلما طلبت مقابلة رئيس الرقابة على المصنفات علي أبوشادي أجد رداً واحداً: الأستاذ مشغول.. وهكذا حتى أصابني اليأس، وعلمت بعد ذلك أن شيرين التي أصبحت نجمة نجحت بنفوذها في الحيلولة دون صدور الألبوم، فقد كانت تعلم جيداً أن حصولي على هذا الحق معناه عودة جميع حقوقي، وأنها لن تستطيع التهرب من العودة إلى شركتي أو دفع الشرط الجزائي على أقل تقدير..
وفي إحدى جلسات نظر القضية وكانت شيرين قد وصلت إلى النجومية ـ تعجب القاضي وسأل محاميها :لماذا لا تدفع شيرين الشرط الجزائي وتنهي القضية؟! ولم يستطع المحامي أن يجيب، لأن القصة ليست في دفع هذا الرقم الهزيل بالنسبة لشيرين، لكن في دلالة اعترافها بتعاقدها معي بعد أن ظلت سنوات تنكر معرفتها بي.. وبعد موقف الرقابة على المصنفات الفنية تأكدت أن لشيرين قدرة على فعل أي شيء لدرجة أن عدداً كبيراً من الصحف والمجلات نشرت تقارير وحوارات وصور لها أثناء نظر القضية بطريقة تؤكد نجوميتها وأنها لن يؤثر عليها، ولم يفكر صحافي واحد في الاتصال بي أو التأكد من صحة الأوراق التي أمتلكها، ونجحت في إقناعهم بأنني أبحث عن الشهرة وأمارس الابتزاز لأحصل على "قرشين"..
وصلتني تهديدات مباشرة بالقتل وخطف ابنتي إذا اقتربت من شيرين ثانيةالغريب أنها لم تتوقف عند هذا الحد اتهمتني بمطاردتها، ووصل الأمر إلى الذروة، عندما وصلتني تهديدات مباشرة بالقتل وخطف ابنتي إذا اقتربت من شيرين ثانية، والحقيقة أنني في البداية اعتقدت أن أحد الأصدقاء يداعبني، ولكنني فوجئت بالاتصالات تتوالى دون توقف فبدأ الخوف يتسرب إلى قلبي بعد أن علمت من الصحف أن شيرين تستعين بعدد من الحراس يمكنهم تنفيذ أي شيء وضد أي شخص، ولم أجد أمامي سوى اللجوء للشرطة، وتقدمت ببلاغ إلى قسم حي العمرانية "72 أحوال" قلت فيه ما حدث من تهديدات، وطالبت بوضع حراسة على منزلي وشركتي، وحتى أضمن تلبية طلبي عرضت أن أقوم بدفع رواتبهم الشهرية من جيبي الخاص حماية لنفسي ولابنتي التي تعتبر أغلي ما أملك".
النيران اشتعلتالقصة لن تنتهي.. ومنذ أيام اشتعلت النيران في العقار الذي يقيم فيه حمدي أحمد.. ورغم أن معاينة النيابة أثبتت أن الحريق نشب نتيجة حدوث ماس كهربائي.. لكن مازال يشك في وجود يد لشيرين في تلك الواقعة!
وبعد.. فإن الدراما هي بطل تلك القصة دون شك، فهناك بطل وجد نفسه مجرد "كومبارس".. وبطلة أو نجمة ترى أن وصولها إلى عالم الشهرة والنجومية لم يكن يحتاج إلى "كومبارس" من الأساس... حمدي يمتلك الأوراق والمستندات..وينتظر لحظة يبتسم له الحظ فيها وينال جزءًا من كعكة الشهرة والفلوس والنجومية.. وشيرين تجلس على قمة النجاح بموهبة لا يستطيع أحد أن ينكرها.. ولا شك في أنها لا تريد تذكر ماض بذلت جهداً خرافياً كي تتخلص منه. ولا شك أن نجاح شيرين ووصولها إلى القمة يزيدانه إصراراً على ملاحقتها.. ولكن هل تستحق شيرين التي اعترفت مراراً بأنها كانت فقيرة أن توصف بناكرة الجميل؟! لا أحد يستطيع اتهام أيهما بالكذب.. ولا صوت سوى للأوراق والمستندات والصور.. والحكم لن يكون عادلاً بدونها؟ فماذا سيحدث غداً بين الطرفين؟.. سؤال تصعب الإجابة عنه. (السياسة)